الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشياطين} قيل: يعني الشياطين بأعيانهم شبهها برؤوسهم لقبحهم، ورؤوس الشياطين متصوَّر في النفوس وإن كان غير مرئيّ.ومن ذلك قولهم لكل قبيح هو كصورة الشيطان، ولكل صورة حسنة هي كصورة مَلَك.ومنه قوله تعالى مخبرًا عن صواحب يوسف: {مَا هذا بَشَرًا إِنْ هاذآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ} وهذا تشبيه تخييلي؛ روي معناه عن ابن عباس والقُرَظي.ومنه قول امرىء القيس:
وإن كانت الغولُ لا تعرف؛ ولكن لما تصوّر من قبحها في النفوس.وقد قال الله تعالى: {شَيَاطِينَ الإنس والجن} [الأنعام: 112] فمردة الإنس شياطين مرئية.وفي الحديث الصحيح: «ولكأنّ نخلها رؤوس الشياطين» وقد ادعى كثير من العرب رؤية الشياطين والغيلان.وقال الزجاج والفرّاء: الشياطين حيات لها رؤوس وأعراف، وهي من أقبح الحيات وأخبثها وأخفها جسمًا.قال الراجز وقد شبه المرأة بحية لها عُرْف: الواحدة حَمَاطة، والأعرف الذي له عُرْف.وقال الشاعر يصف ناقته: التَّعَمُّج: الاعوجاج في السير.وسهم عَمُوج: يتلوّى في ذهابه.وتَعمَّجت الحية: إذا تلوّت في سيرها.وقال يصف زمام الناقة: وقيل: إنما شبه ذلك بنبت قبيح في اليمن يقال له الأَسْتَن والشيطان.قال النحاس: وليس ذلك معروفًا عند العرب.الزمخشري: هو شجر خشن منتن مُرّ منكر الصورة يسمى ثمره رؤوس الشياطين.النحاس: وقيل الشياطين ضرب من الحيات قباح.{فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا البطون} فهذا طعامهم وفاكهتهم بدل رزق أهل الجنة.وقال في الغاشية: {لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ} [الغاشية: 6] وسيأتي.{ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا} أي بعد الأكل من الشجرة {لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ} الشوب الخلط، والشَّوْب والشُّوب لغتان كالفَقْر والفُقْر والفتح أشهر.قال الفراء: شاب طعامه وشرابه إذا خلطهما بشيء يشوبهما شوبا وشيابة.فأخبر أنه يشاب لهم.والحميم: الماء الحار ليكون أشنع؛ قال الله تعالى: {وَسُقُواْ مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد: 15].السّدي: يشاب لهم الحميم بغسّاق أعينهم وصديد من قيحهم ودمائهم.وقيل: يمزج لهم الزقوم بالحميم ليجمع لهم بين مرارة الزقوم وحرارة الحميم؛ تغليظًا لعذابهم وتجديدًا لبلائهم.{ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى الجحيم} قيل: إن هذا يدل على أنهم كانوا حين أكلوا الزقوم في عذاب غيرِ النار ثم يردّون إليها، وقال مقاتل: الحميم خارج الجحيم فهم يوردون الحميم لشربه ثم يردّون إلى الجحيم؛ لقوله تعالى: {هذه جَهَنَّمُ التي يُكَذِّبُ بِهَا المجرمون يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} [الرحمن: 43 44].وقرأ ابن مسعود: {ثُمَّ إِنَّ مُنْقَلَبَهُمْ إِلَى الْجَحِيمِ} وقال أبو عبيدة: يجوز أن تكون {ثم} بمعنى الواو.القشيري: ولعل الحميم في موضع من جهنم على طرف منها.قوله تعالى: {إِنَّهُمْ أَلْفَوْاْ آبَاءَهُمْ ضَآلِّينَ} أي صادفوهم كذلك فاقتدوا بهم.{فَهُمْ على آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ} أي يسرعون؛ عن قتادة.وقال مجاهد: كهيئة الهرولة.قال الفراء: الإهراع الإسراع برعدة.وقال أبو عبيدة: {يُهْرَعُونَ} يُستحَثون من خلفهم.ونحوه قول المبرّد.قال: المُهْرَع المستحث؛ يقال: جاء فلان يُهْرَع إلى النار إذا استحثه البرد إليها.وقيل: يُزعَجون من شدّة الإسراع؛ قاله الفضل.الزجاج: يقال هُرِع وأُهْرِع إذا استحث وأزعج.قوله تعالى: {وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأولين} أي من الأمم الماضية.{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُّنذِرِينَ} أي رسلًا أنذروهم العذاب فكفروا.{فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المنذرين} أي آخر أمرهم.{إِلاَّ عِبَادَ الله المخلصين} أي الذين استخلصهم اللّه من الكفر.وقد تقدّم.ثم قيل: هو استثناء من {الْمُنْذَرِينَ}.وقيل هو من قوله تعالى: {وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأولين} [الصافات 71]. اهـ.
فشبه بأنياب الأغوال وهي نوع من الشياطين ولم يرها لما ارتسم في خياله، وعلى عكس هذا تشبيههم الصورة الحسنة بالملك وذلك أنهم اعتقدوا فيه أنه خير محض لا شرفيه فارتسم في خيالهم بأحسن صورة، وعليه قوله تعالى: {مَا هذا بَشَرًا إِنْ هذا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ} [يوسف: 31] وبهذا يرد على بعض الملاحدة حيث طعن في هذا التشبيه بأنه تشبيه بما لا يعرف، وحاصله أنه لا يشترط أن يكون معروفًا في الخارج بل يكفي كونه مركوزًا في الذهن والخيال.وحمل التشبيه في الآية على ما ذكر هو المروي عن ابن عباس.ومحمد بن كعب القرظي.وغيرهما، وزعم الجبائي أن الشياطين حين يدخلون النار تشوه صورهم جدًا وتستبشع أعضاؤهم فالمراد كأنه رؤوس الشياطين الذين في النار، وفيه أن التشبيه عليه أيضًا غير معروف في الخارج عند النزول، وقيل: رؤوس الشياطين شجرة معروفة تكون بناحية اليمن منكرة الصورة يقال لها الاستن وإياها عنى النابغة بقوله: قال الأصمعي: ويقال لها الصوم وأنشد: وقيل: الشياطين جنس من الحيات ذوات أعراف، وأنشد الفراء: أي له عرف، وأنشد المبرد:
|